موضوع: في "عندليب الدقي".. يواصل "هنيدي" معادات الجمعة أكتوبر 05, 2007 3:43 am
هل تتقبل بسهولة أن ينقلب الفيلم الكوميدي إلى محاولة ساذجة لمناقشة قضايا سياسية مهمة مثل الوحدة العربية؟
ماذا عن نظرية المؤامرة وإقحام إسرائيل وربطها بالدانمارك لإرضاء الجمهور العربي الكاره للوجود الصهيوني والحانق على حكومة الدانمارك؟
حاول أن تفكر في إجابات لأسئلة كهذه بعد مشاهدة "عندليب الدقي".
ها قد اقتحمت شركة "روتانا" مجال الإنتاج السينمائي من أوسع أبوابها، متعاونة مع ثلاثة من ألمع نجوم الوسط الفني؛ الأول هو "محمد هنيدي"، والثاني هو المخرج البارع "وائل إحسان" الذي حقق نجاحات ساحقة من قبل مع "محمد سعد" و"أحمد حلمي"، والثالث هو الشاعر "أيمن بهجت قمر" في التجربة الثانية له مع الكتابة للسينما، وخرج الفيلم المصري مصبوغا بروح الخليج إرضاء طبعا لشركة الإنتاج الخليجية العملاقة "روتانا".
"فوزي" والذي يلعب دوره "محمد هنيدي" شاب مصري فقير وعاطل –البناء الأساسي لأي فيلم عربي كوميدي هذه الأيام- يحب الغناء حبا جما، ويرى في نفسه أسطورة غنائية لا مثيل لها، لكنه لا يلقى أي ترحيب خلال حفلات الزفاف التي يقوم بإحيائها.. تموت أمه بعد أن تخبره بالسر الذي أخفته عنه طوال عمره، وهو أن له أخا خليجيا يدعى "فواز" يحيا في الإمارات ويملك ثروة كبيرة، وهكذا يقرر "فوزي" السفر إلى دبي للبحث عن أخيه "فواز".
ثمة قضيتان مهمتان في هذا الفيلم، وقد سبق لـ"هنيدي" تقديمهما ولو (ع السريع) في فيلمه الرائع (همام في أمستردام).. الحلم العربي ووحدة كل الشعوب العربية قضية مهمة أهملتها السينما، ومر عليها "هنيدي" مرور الكرام في "همام"، عندما تحتدم الخلافات بين الأصدقاء العرب في شقتهما في أمستردام، فتعلو أغنية "الحلم العربي" فجأة..
أما في "عندليب الدقي" فقد تناول "هنيدي" القضية بوضوح أكثر من اللازم، جعل من الفيلم حصة مدرسية في مادة التربية القومية أو أغنية قومية يذيعها التليفزيون..
في البدء يحاول الربط بين مصر والإمارات عبر شخصيتي "فوزي" المصري وتوأمه الإماراتي "فواز"، وفي مشهد النهاية يتجاوز حاجز الكوميديا إلى الفانتازيا عندما يلتقي "محمد هنيدي" بمجموعة من الأشخاص يحملون نفس الملامح وكل منهم يمثل دولة عربية مختلفة، ويبدأ "هنيدي" الأصلي في مصافحة أشقائه.. هكذا جاء المشهد ساذجا، بعكس المحاولة الجادة التي قام بها "هنيدي" عندما دعا مالكي المستشفيات العربية وطلب منهم الاتحاد معهم لوقف التعامل مع شركة الأدوية الدانماركية والتكاتف لإنتاج أدوية عربية.. هذه هي الخطوة التي يستحق عليها التصفيق حقا لا مشهد النهاية.
القضية الثانية ومحور الجدل هي الهجوم على إسرائيل والدانمارك خلال الثلث الأخير من الفيلم.. أولا ليس بجديد أن يهاجم "هنيدي" إسرائيل، وهو الذي حرق بنفسه العلم الإسرائيلي في دور "خلف الدهشوري" في "صعيدي في الجامعة الأمريكية" عندما حاول تقديم قضية سياسية خلال أحداث فيلمه الكوميدي الأول والأكثر روعة، ثم تناول نفس القضية من خلال علاقته باليهودي الشاب العامل معه في الفندق خلال "همام في أمستردام" أيضا، وكيف رفض أن يصادقه لمجرد أنه يهودي.. يواصل "هنيدي" معاداته لإسرائيل في "عندليب الدقي"، فيرفض عقد الصفقة مع الشركة الدانماركية عندما يرى أن أحد أعضاء الشركة يضع نجمة "داود" على صدره، فيهب "هنيدي" متقمصا دور العربي الكاره للوجود الصهيوني، ويقوم بتحطيم العلم الإسرائيلي بينما ذهنه يستعيد مقاطع من نشرة الأخبار تعبر عن جرائم الصهاينة في حق الشعب الفلسطيني.
حسنا... لقد عبر "هنيدي" عن الكره العربي لإسرائيل، وكان الأداء مسرحيا لاسيما مع تحطيم العلم الإسرائيلي، لكن ليس من المعقول أن نربط الدانمارك مباشرة بإسرائيل.. إسرائيل عدو تاريخي للعرب منذ نشأتها، وتحتل الأراضي العربية وتقتل وتذبح في العرب، ومن الظلم أن نضعها جنبا إلى جنب مع الدانمارك.. "هنيدي" برر كراهيته للدانمارك في الفيلم بأنها "صهينت على الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم"، ثم واصل هجومه ساخرا من المنتجات الدانماركية خاصة الجبنة "المعفنة" -كما وصفها- وقال إنها "حرية تعبير" أيضا!
دعنا إذن من هذه الأبعاد السياسية للفيلم، ولندخل البعد الأساسي للفيلم وهو الكوميديا.. أعترف بأن "محمد هنيدي" نجح في إضحاكنا من جديد، من خلال بعض المواقف، لكن كانت هناك مواقف أخرى مكررة فشلت في إضحاك أحد.
تبدو واضحة جدا المقادير التي أضافتها شركة "روتانا" إلى الحبكة الدرامية للفيلم، حتى ولو أنكر صانعو الفيلم تدخل الشركة المنتجة في شغلهم.. لابد من تصوير نصف الفيلم أو أكثر في دبي، ولابد من أن يلعب "هنيدي" دور شخصية خليجية، ولابد من الاستعانة بالممثل الكويتي "داود حسين".. ثمة صبغة إعلانية في الفيلم، طبعا لا يمكن أن نعتبرها مصادفة.. هناك مطعم أجنبي للوجبات السريعة ظهرت لافتته بوضوح، وتم التصوير داخله مرتين على الأقل، بالإضافة لظهور مشروب لشركة تقوم بحملات إعلانية ضخمة على شاشات قنوات "روتانا".
أعترض بشدة على الصورة التي ظهر بها المصريون العاملون في الإمارات.. صحيح أن الفيلم أظهر أنهم في كل مكان، تقابلهم في المطار والمطعم والفندق وكل مكان، لكن الفيلم قدم لمحة –بصراحة يبدو أنها غير مقصودة لكنها واقعية نوعا- من الإهانة التي يتعرض لها العاملون..
ركزت كاميرا المخرج طويلا على إظهار مفاتن مدينة دبي بأبراجها العالية وشوارعها الواسعة، فخرجت المشاهد في منتهى الروعة، وفعلا لم تبخل "روتانا" في الإنفاق بسخاء من أجل أن يخرج كل شيء على ما يرام، ومن أجل تسليط الضوء على الخليج الذي لم تعِره السينما المصرية اهتماما كبيرا.
تبدو محاولة "أيمن بهجت قمر" للكتابة للسينما تجربة متواضعة جدا، بعكس موهبته وبراعته في نظم الأغاني لكبار مطربي العالم العربي، فلم نرَ إبداعا للشاعر الموهوب وجاء السيناريو مقحما لعناصر كثيرة يبدو أنها كتبت خصيصا عشان خاطر "روتانا" والجمهور الخليجي.
الفيلم -في رأيي- أفضل من أفلام "هنيدي" الأخيرة، لكنه أيضا لا يرقى لمستوى أفلامه الثلاثة الأولى أبدا.. الفيلم جاء على هوى شركة "روتانا" وبما يحقق طموحاتها في إنتاج سينمائي يربط مصر بالخليج العربي، وطبعا سيعجب الخليجيون بهذا الفيلم بشدة وهم يرون "هنيدي" يتجول في دبي ويتحدث بلهجتهم بل ويغني بها أيضا، وهي التجربة التي يراها البعض محاولة جديدة من "هنيدي" للعودة إلى الإيرادات الكبيرة بعد أن سقطت أسهمه كثيرا خلال الأعوام الأخيرة.
The end مشرف
عدد الرسائل : 1166 العمر : 40 المزاج : عسل تاريخ التسجيل : 05/10/2007